تركز هذه المقابلة لبرنامج الوضع بين لينا ميعاري وضياء علي، منسق ميداني في مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية، على مفهوم مناطق “ج”، التي جاءت وفق اتفاقيات أوسلو، وانعكاسات هذه التقسيمات على تعميق واقع الاستيطان الاستعماري في فلسطين، موقف البنك الدولي من التنمية في هذه المناطق والدور الذي لعبته السلطة الوطنية الفلسطينية في تعميق الانقسامات والجواجز.
لينا ميعاري
ولدت في حيفا لأسرة مهجرة من قرية البروة٬ وهي برتبة أستاذ مساعد في دائرة العلوم الاجتماعية والسلوكية وفي معهد دراسات المرأة٬ حصلت على شهادة الدكتوراة في علم الإنسان الثقافي من جامعة كاليفورنيا – ديفيس في عام 2011 وعلى درجة الماجستير في علم الانسان عام ٬2006 وفي دراسات النوع الاجتماعي والقانون والتنمية في عام ٬2005 وفي علم النفس الاكلينيكي في عام ٬2003 كما أنها أنهت دراسة البكالوريوس في علم النفس ودراساتي بينية عام 1996 الاهتمامات البحثية لديها اهتمامات بحثية عديدة تشمل: الأبعاد الجيوسياسية لإنتاج المعر٬ المنهجيات المتحررة من الإستعمار٬
البنى الإستعمارية والعلاقات الإستعمارية سياسات الصمود٬ الذات الثورية النظرية النسوية المناهضة للإستعمار.
ضياء: اليوم رح نكون بمقابلة مع د.لينا ميعاري من جامعة بيرزيت بفلسطين، د.لينا مولودة بحيفا لأسرة مهجرة من قرية البروة وهي برتبة أستاذ مساعد في دائرة العلوم الاجتماعية والسلوكية وفي معهد دراسات المرأة بجامعة بيرزيت، وهي حاصلة على درجة الدكتوراة في الأنثروبولوجيا من جامعة كالفورنيا "ديفييس" في أيلول 2015 أنجزت ورقة بحثية بعنوان مناطق "ج": الخطابات التنموية والسلب الاستعماري والتي سنتحدث عنها في لقائنا لليوم، أهلا وسهلا بك د.لينا وبنرحب بك بالوضع ونشكرك على الوقت الذي منحتينا اياه حتى نتكلم حول هذا الموضوع المهم.
.لينا: أهلأ
ضياء: رح نحكي بأكثر من محور بالموضوع وبالورقة البحثية، بداية نحكي عن مناطق "ج" مفهوماً وجغرافيا؟
لينا: بداية أحب أن أنوه أن هذه الورقة هي جزء صغير من بحث واسع والذي قام به معهد دراسات المرأة حول مناطق “ج". البحث كان يشمل جانبين، منهجياً، جانباً كمياً شمل القيام بمسح على مناطق "ج" على عينة ممثلة من مناطق "ج" والجزء الثاني كان بحثاً كيفياً شمل مقابلات وملاحظة بالمشاركة. أنا كنت مشاركة بجانب البحث الكيفي والورقة هذه هي جزء من نتائج البحث.
إذا بدأنا بسؤالك حول تشكل مناطق "ج" كمفهوم وجغرافيا، ما يثير السخرية هو أن مناطق "ج" كمنطقة وكمفهوم وكجغرافيا وكموقع جغرافي، تشكلت نتيجة اتفاقيات أوسلو بمعنى أن اتفاقيات أوسلو كما هو معروف وقعت في سبتمبر 1995 وتحديدا أوسلو "2" قسمت هذه الاتفاقية مناطق الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق (أ، ب، ج) مناطق "ج" هي بسيطرة إسرائيلية على الأمن والقضايا المدنية المتعلقة بالأراضي والتخطيط والبناء والبنية التحتية، السلطة الفلسطينية مسؤولة فقط عن توفير وتقديم الخدمات التعليمية والصحية للسكان الفلسطينين بمناطق “ج". وتجدر الاشارة بأن مناطق "ج" تشكل أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية، مما يعني أننا نتحدث عن مناطق شاسعة صنفت على أنها مناطق "ج" وغالبية هذه المناطق عرفت على أنها مناطق "ج" حددت كمناطق عسكرية ومناطق للتوسع الاستيطاني ومن هنا الفكرة أنه لا يمكن فهم مناطق "ج" كمفهوم إلا إذا موضعناها في سياق المشروع الاستعماري الصهيوني في فلسطين. الفكرة هنا أن هذا المشروع الاستيطاني يستمر ويتوغل وتحديداً تحت ما يسمى اتفاقية السلام أو ما يسمى اتفاقية أوسلو. واضح أن المشروع يستمر بأشكال أخرى فهذا ممكن يقول لنا أن المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني تحديدا لكن المشاريع الاستعمارية الاستيطانية بشكل عام هي ممكن أن تتطور ليس بالضرورة من خلال الحرب والقتل والإبادة إنما ممكن أن تتطور من خلال وسائل أخرى، في الحالة الفلسطينية هي نتجت عن اتفاقية السلام أو ما يسمى باتفاقية أوسلو.
ضياء: هذا التقسيم الذي تحدثت عنه كيف ينعكس في ترسيخ الواقع الاستعماري في فلسطين؟
لينا: من المعروف أن أي مشروع استعماري استيطاني الهدف الأساسي بالنسبة له هو الأرض. مناطق "ج" وتصنيفها هو يشكل إمكانية لاستمرار السيطرة على الأراضي وتوسيع الاستيطان فيها وسلب الأراضي من الفلسطينين وبالتالي هو جزء لا يتجزأ من هذا المشروع المستمر وهنا مهم أن نشير إذا حاولنا مثل ما قلت في البداية أن نموضع فكرة ما يسمى بمناطق "ج" في السياق الاستعماري الاستيطاني نفهم أن الاستعمار الاستيطاني هو مثل ما يقول "باتريك وولف" ليس حدثاً وينتهي إنما هو عملية وصيرورة مستمرة، قائمة ومستمرة لا تزال مستمرة، بدأ هذا المشروع الاستعماري في فلسطين من القرن التاسع عشر في سنوات محددة هي كانت سنوات خاصة مثل النكبة في ال48 وفي 67 احتلال ما تبقى من فلسطين التاريخية إلى أن وصلنا إلى اتفاقيات أوسلو التي لم تكن مختلفة عن الفهم الصهيوني في استمرار عملية الاستعمار والسيطرة على الأرض.
ضياء: مناطق "ج" كيف أصبحت تحتل العنوان الرئيسي في خطابات التنمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن هم أصحاب فكرة التنمية في هذه المناطق بتصورك واعتقادك؟
لينا: الورقة كانت تحاول أن تظهر أن السلب الاستعماري موجود ومستمر على أرض الواقع، مناطق "ج" ليست هي الوحيدة التي يستمر فيها مشروع السلب الاستعماري وإنما هي منطقة مواجهة مركزية حاليا لاستمرار مشروع السلب الاستعماري. بالمقابل نرى أن الخطابات التنموية، وهنا يوجد لاعبون كثر والمثال الذي حاولت تناوله هو مثال البنك الدولي، تتجاهل تماما أو تقصي كل سياق الاستعمار الاستيطاني، وتتعامل مع مناطق "ج" على أنها المناطق التي من الممكن أن تشكل المورد الاقتصادي لاقتصاد السلطة الفلسطينية.
ضياء: البنك الدولي في 2013 أصدر تقريراً يتعلق بمناطق "ج" بعنوان "مناطق "ج" ومستقبل الاقتصاد الفلسطيني ؟
لينا: بالضبط وهذا يتيح لنا رؤية حدود وإشكاليات هذا الخطاب التنموي كما يتجلى في تقرير البنك الدولي، وللأسف أن جزءاً كبيراً من السلطة الفلسطينية احتفى بهذا التقرير، تقرير البنك الدولي. عملياً يرى أن مناطق "ج"من الممكن أن تحدد مستقبل الاقتصاد الفلسطيني بما أنها تحتوي على موارد وأراضي، موارد طبيعية ...الخ
الأخطر في تقرير البنك الدولي هو أنه يحث ويدعو إلى التعاون مع الشركات الإسرائيلية في مجالات كثيرة لتطوير هذه المنطقة اقتصادياً، على سبيل المثال البنك الدولي يذكر في هذا التقرير أن هناك طلباً في الأسواق العالمية على مواد التجميل الطبيعية وهنا بالإمكان أن مشاريع استثمارية بالتعاون مع شركات إسرائيلية أن تطور هذا المجال وبالطبع الهدف الأساسي من وراء فكرة هذا التعاون هو فتح الأسواق وتحديداً العربية والإسلامية أمام الشركات الإسرائيلية.
ضياء: هذا يعني تطبيعاً اقتصادياً؟
لينا: بالضبط وتحويل كل فكرة مناطق “ج”، سلخها عن كل السياق الاستعماري والتعامل معها بمنطق اقتصادي ومنطق اقتصادي محدد محكوم بسياسات الليبرالية الجديدة فكرة الأسواق وتحديداً الذي يركز على الإنتاج في هذه المنطقة للتصدير إلى الأسواق العالمية بمعنى أنه حتى الفكرة ليست استخدام الموارد الطبيعية من أجل تنمية أو إنتاج حقيقي لصالح الشعب الفلسطيني وإنما الفكرة هي مشاريع استثمارية موجهة الى الأسواق العالمية.
ضياء: أشرتِ إلى أن للسلطة دوراً في الموضوع، كيف تساهم السلطة في ترسيخ الحواجز الجغرافية والتقسيمات؟
لينا: هنا مهم أيضاً أن نفهم أن هذا المشروع الاستعماري وسلب الأراضي هو مشروع مستمر وقديم، وإذا أخذنا بعض المناطق التي هي مصنفة على أنها مناطق "ج" على سبيل المثال قرية "يانون" المذكورة بالورقة بهذه المنطقة تحديداً كان هناك مشاريع استيطانية سابقة وبالفعل تم قضم مساحات واسعة من قرية "يانون" لإقامة جزء كبير من المستوطنات.
ضياء: قبل أوسلو في السبعينات والثمانينات؟
لينا: قبل أوسلو، التحول الذي حدث بعد أوسلو عملياً هو أن كل اتفاقية أسلو كبنية وتصنيف مناطق "ج" هو أعطى مثل غطاء قانوني شرعي لاستمرار عملية قضم الأراضي وبناء المستوطنات، سلب الأراضي من أصحابها...الخ وهنا كانت الإشكالية وبما أن السلطة الفلسطينية ما تزال ملتزمة باتفاقيات أوسلو فهذا هو الدور الذي تلعبه في التواطؤ مع هذا المشروع الاستعماري.
ضياء: د.لينا في النهاية هل تحبين اضافة شيء بالنسبة للورقة وبالنسبة للموضوع؟
لينا: أحب أن أقول أولا أنه حين نفكر بما يسمى مناطق "ج" أول شيء هي تشمل كماً واسعاً من الأراضي التي تعيش فيها مجتمعات فلسطينية متنوعة، يعني مناطق "ج" تشمل مثلا مناطق بها مجتمعات تعيش على الرعي ومجتمعات تعيش على الزراعة، مخيم قلنديا على سبيل المثال هو أيضا مصنّف ضمن مناطق “ج"، يعني هذه تشمل كماً كبيراً من الأراضي وهناك تنوع كبير في شكل التجمعات، أنماط الإنتاج القائمة في هذه التجمعات الفلسطينية، أيضا نحن يجب أن نفهم أنه حينما نتحدث عن مناطق "ج" لا نتحدث عن منطقة واحدة موحدة. يوجد اختلافات وبالتالي أثر الممارسات الاستعمارية فيها تختلف طبقاً لما هو نمط الإنتاج السائد وما هي وسائل العيش التي يعتمد الناس عليها وكيف تتغير وسائل العيش ونمط الحياة يتغير نتيجة الممارسات الاستعمارية، النقطة الثانية التي من المهم أن نشير إليها وكل ما يتعلق بمناطق "ج" هي تظهر لنا أنه داخل المشروع الاستعماري الصهيوني لا فرق بين المؤسسة الحاكمة؛ الجيش والمستوطنين جمعيهم جزء لا يتجزأ من هذا المشرروع فعلى سبيل المثال قرية "يانون" وقرى أخرى كثيرة، المستوطنون هم رأس الحربة في مضايقة السكان لإرغامهم على ترك المكان، سلب أراضيهم، منعهم من الحركة ومنعهم من استخدام أراضيهم...الخ وهؤلاء المستوطنون ليسوا استثناء أو خارجين عن القانون هم جزء لا يتجزأ من هذه البنية وتحقق أهدافها الاستعمارية.
ضياء: د.لينا نشكرك مرة ثانية على الوقت الذي منحتينا إياه للحديث بهذا الموضوع وإنشاء الله يكون لنا لقاء ثان في مواضيع متعددة وأشكرك كثيراً باسم مجلة “الوضع".